جدار الموسيقى...أمل الياسري
جدار الموسيقى
قالَتْ لهُ: لقد رسمتُ لكَ مدينةً هادئةً، حيثُ لا مخالفاتٍ، ولا جرائمَ، ولا حروبَ.
قالَ لها: ألم تطلبي المجدَ لكِ؟
أجابَتْهُ بشوقٍ: أنتَ مجدي ومثلُكَ مخلوقٌ نورانيٌّ لا يحتاجُ لاجنحةٍ لتحلقَ، لأنكَ حقيقتي التي لن أغادرَها أبداً.
أصرَّ الضابطُ على أنْ تنحني الفتاةُ طلباً للرأفةِ، لكنَّ المعذبَ الذي لم يرتكبْ إثماً، هزَّ رأسَهُ الذي يريدُ الحياةَ لأجلِها، فهمَتْ مقصدَهُ فقالَتْ: دمُّكَ أبلغُ ما ينطقُ عنكَ، هناكَ أماكنُ في جسدِكَ تتحدثُ وهي ترجمانُ عقلكَ.
خاصمَتِ الفتاةُ لسانَها على الحدودِ، وإتشحَتْ بالسوادِ وأشارَتْ بيدِها لرايةِ وطنِها وحقيبةِ سفرِها، وشرعنَتْ شجبَها بأنْ تناولَتْ حجراً كبيراً، ورمتْهُ في وجهِ الضابطِ الأجنبيِّ العبوسِ.
طُرِزَ جبينها بشذراتُ حزنٍ كبيرٍ وعنفٍ أكبرَ، فأقتادوها الى زاويةٍ قذرةٍ من الميناء، وفي طريقِها قابلَتْ أخاها في لحظةَ الوداعِ الأخيرةِ وقالَتْ لهُ: أنتَ نبيلُ بكلِّ معنى الكلمةِ، وأذكركَ أن الشمسَ تضحكُ دائماً، وهي لا تبكي في الغروبِ، لأنَّها تشرقُ في مكانٍ آخرٍ.
أيُّها الملاكُ الصغيرُ: الفقراءُ فوقَ مقابرِ التأريخِ يعيشونَ حياةَ تشردٍ مؤلمةٍ، لكنَّني في ظِلِّكَ عشْتُ ثورةً بطعمِ الكرامةِ، وعندما داهمَ الخريفُ أشجارَنا، أخترْتُ الموتَ بدلاً عنكَ، فلثمَتني أمواجُ البحرِ شغفاً بعفتي وعفافي، على أنْ يلمسُني أحدُهم، وأخيراً أوصيكَ: كلما شعرْتَ بالوحدةِ فأنظرْ الى حورياتِ البحرِ، فهنَّ قرابينُ العدالةِ وقد أكونُ إحداهُنَّ....
حازَتْ لوحةُ (جدارُ الموسيقى) على المرتبةِ الأولى في مهرجانِ فنيٍّ، إشتركَ الشابُ المهاجرُ فيهِ لأنَّهُ رسمَ جثةَ شقيقتهِ، فوقَ قيثارةِ الغربةِ مع خطوطٍ سوداءَ، لموسيقى الكرامة ِالمهدورة.
أمل الياسري/ العراق
التسميات: قصة قصيرة
<< الصفحة الرئيسية