الاثنين، 25 يناير 2016

...خضراء ......جميلة عطوي تونس

...خضراء ......


مادت الأرض تحت قدميها ...ترنَحت...كاد شالها الأخضر يفارق كتفيها ...شبه إغماءة بمدى حياة سرعان ما نفضتها ...رمقت البحر وكان ملاذها عند الأزمات فكشَر عن أنيابه...لون أسود...أمواج تصفع الشاطئ فيصرخ...رفعت بصرها...جوَ مكفهرَ...لا نوارس بل جموع غربان تغطي المكان...غاق...غاق...اقشعرَ جسدها...النجاة ...النجاة...هضابي عالية وجبالي منيعة ...
مدَت اليد إلى الغابات تنشد الصَفاء...تملأ الرئتين بزاد الحياة لكنَ الأشجار تباعدت ...شمَر الجبل عن ساقه ...أرهبتها الخيبة فتراجعت...ماذا يحدث ؟ لم النَفور أيتها الرَبوع الغوالي؟؟ تعلمين أن لا حياة لي بدونك...قممك مصدر شموخي ...أشجارك جنَتي ونسيمك معين حياتي ...
في غمرة الدَهشة لفحها هجير في غير أوانه ...هزَت المكان حركة غير عادية...أصوات من عمق الجبل تواترت همسا ثمَ اشتدَ صداها إلى أن بات فرقعات مرعبة...أشباح تركض هنا وهناك ...أصوات تكبير ولا وضوء...همهمات ولا صلاة...
قالت: أيَتها الغابة انظري إلى شالي الأخضر يدثَر كتفيَ ...رسالة منك إليَ...أنا الخضراء أجمل الرَبوع...عوَدتني أن يهدل الحمام على فرعك فيُنشيني...ينفحني عبيرك فيُحييني ...لم أنت كئيبة؟ ولم حاصرتك الرَيبة؟ اقتربي أضمَك تحت جناحي...أمسح دمعك ...أسقيك أفراحي...لا تخشي تعلمينني خضراء الأبيَة ...على الأدواء عصيَة...ومعي بعون الله لا يأس...سأستأصل الشَرور...جراحة بمسبار خبير...تجتثَ الجهل وتكرَس الإنسانيَة...طيبي خاطرا أيَتها الغابات...معي لن تكوني أبدا شقيَة...انظري هناك على جبين الزَمن نُقشتُ بمداد القدر أرضا للسلام والحرَيَة...
وإذا بريح رواء تتهادى من قمَة الجبل ...تداعب شعوره...تربَت على الشَال الأخضر...تتسرَب إلى الأعماق...فتلتفت حولها...تحضن الجبل والغابات والسَهول بعينيها النَجلاوين ثمَ تمدَ خطى ثابتة في اتجاه البحر وهي تدندن أغنية معروفة ...
(حمامة بيضة رفَت فوق راسي ...حمامة بيضة ...يا حمامة...)


جميلة عطوي 
تونس

التسميات: