بقايا لعنتي. إبداع. مصطفى محمد كبار
بقايا لعنتي
خمسينَ بيتٍ من الشعرْ أرهقني
بكاءٌ ونوحٌ و أزهيجُ الحزنِ بالقوافيا
و إني ما كنتُ بركبِ القافيةِ يوماً
إنما القهرُ قد ساقني بالوحي راضيا
فلا المتنبي و لا الدرويشُ قد دعانيا
لكن وجعٌ بالقلبْ كانَ وحدهُ كافيا
لي هناك من الوحي حرفٌ يعاندني
قصيدةٍ تعصرني بالوغى فهي المناديا
عشرينُ دهراً و الأذى تناصرُ لعنتي
تئنُ بأثقالِ الهمومِ مضرجاً منَ المهانيا
تهجرتُ من الديارِ وأنا بالهمِ مقيدٌ
و جرحُ ذكرايَ يركضُ من ورائيا
قصدتُ أرضَ الغرباءِ بدمعتي
فكان للعمرِ أحزانٌ بمرِ الآسى باليا
و رحتُ أشقُ بمهالكٍ بقفرتي
و لم أنسى دموعٍ بقيتْ خلفي ساهيا
فتوراتْ من مدى البصرِ دروبي
حتى تهتُ كالغريبِ بمتاهاتِ دروبيا
تركتُ كلَ أشيائي وجعاً تلملمُ ذاتها
صورُ أمواتي و آيةُ الخلودِ الحانيا
أرضُ العجمِ ما كنتُ يوماً أُباركها
لكن شأتْ الأقدارُ بالأزمانِ بعِقابيا
قلتُ بعضُ الأيامِ هي و سنعودُ
سننجو بيومٍ تكونُ فيها الشمسُ راقيا
فمضيتُ و نارُ الحسرةِ تجرُني
حتى تغمدَ البصرُ بقهرُ الدموعِ الباكيا
و أوهمتُ نفسي بأني عائدٌ يوماً
بأنَ السماءَ ببلدي غداً ستكونُ صافيا
عجبي عليكَ يا أيها الزمانُ تعدُ
لي بالخيباتِ و تقصدُ ذلي بسواديا
كيفَ هجرتها و ذكرياتي تعنُ بها
لعبُ الأمسِ و أوقاتُ الطفولةِ الباديا
حارتي و ضحكتي و لمةُ الجيرانِ
شغبي بالمدرسةِ بظلِ جدارنها العاليا
الغسقُ مادارَ لقربهِ جفني بمنامهِ
حجرٌ و خِصامُ المنامِ بجفني داريا
قد دارَ الظلامُ يعاشرُ ألفُ عمرٍ
و القنا حمرٌ الأحلامِ بنكرانها الواهيا
فمالهُ يبكي العمرُ بكلِ حينٍ
و السنينُ بالكربِ العصيبِ تمضي نائيا
فكم من مرٍ ستغدو بحالي بركبها
و كم بذلِ الدهرِ تهوي بكربها مقاميا
تباعدنا عن الديارِ و الروحُ فيها
تبحثُ عن بقايا أرواحٍ كانت غاليا
قفرٌ كوكبي و عالمي هي أضرحةٌ
و الأيامُ سودٌ تثورُ ببحرُ الكراهيا
فنلتُ من مهانةُ العمرِ وجعُ الهلاكِ
و الوجعُ راحَ يقلدُ ذاتهُ بكلِ مكانيا
و هناك لي ركنٌ بكلِ جحيمٍ
و قبرٌ يضيق بصدري بكلِ زاويا
كتبتُ على جدرانَ غربتي يا الله
لعلي أُريحُ قلبي من الهمِ بمُراديا
من أنا قلتُ لنفسي بمرآتي
فردَ أنايا عليَ من عجبٍ من أنانيا
و النفسُ تهوي ببؤسها كلما نئتْ
و الروحُ تائهةٌ بشرودها في البراريا
لا دارٌ راحَ يحتويني من الشتاتِ
و لا دربُ سفري كانَ من الأمانيا
أناجي بصلاةُ الحزنِ بألفِ كسرةٍ
فأعوي بوجهِ الآلهةِ تعبي بشكاَويا
كأنَ الأزمنةُ تشاطرني بهزيمتي
تشدني بألفِ جدارٍ و ترنو قاسيا
فجئتُ من كسرتي أعاتبُ قدري
و من سافروا بروحُ القلبِ دونَ وداعيا
كانوا بالأمسِ ضيوفَ داري بلمتهمْ
كالغبار تناثروا مني بالدمعةِ الساريا
إلى أين صاروا و الدروبُ قاحلةٌ
بموتها تنازعُ روحي بفراقهم و فؤاديا
قهرٌ قد أطاحَ بقلبي بذبحهِ و دنا
و قوافلُ السنينِ تمضي بالمآتمِ خاشيا
فأدنو متقلباً من ضربِ السيوفِ
كأسرابِ السهامِ تأتي من الدنانيا
تغتالني و ذبحها بجسدي خضرٌ
كأنها بأرضُ الذبحِ لا تَرى سوائيا
لو كانَ بيني و بين الحياةِ مودةٌ
لما دارتْ بالمآسي و هي بالعمرِ راسيا
و يدُ القتلةِ طويلةٌ كلما تمردتْ
كفرٌ يناطحُ و كفرٌ يكبرُ بدارِ عِدائيا
بالأمسِ كانت ليَ بعضُ منَ الأيامٍ
و اليومُ أشحدُ منها بعضً من بقائيا
ها أنا ضريحٌ ألملمُ بغربتي مرها
أسلو مدمناً بأوجاعي و أسقطُ بفنائيا
حيناً يكسرني الضجرُ و الحنينُ حيناً
أنا و الذكرياتُ ضحايا الألمِ سواسيا
حتى تضرعتُ بكلَ كؤوسِ السقمِ
حنظلٌ هدني طارحٌ بعلقمِ مذاقيا
إن كانتْ بالحياةِ كفرٌ فهي علتي
القرابينِ تفجعني فتغدو بالبلاءِ راويا
نهمتُ من مقلِ الزمانِ كارثتي
فأدمنتُ اليقينَ بأنَ السماءَ هي الجانيا
يا أيها العمرُ فلا تخشع من ثراكَ
فالأيامُ من قبلكَ قد ماتتْ ناجيا
مالكَ تهربُ مني بتلكَ الروحْ مثقلٌ
مالكَ تغرقُ بحزنِ الأوجاعِ بالسواقيا
و هذا الدهرُ البغيضُ فكم يرهقني
يأكلُ و يفترسْ من أمامي أيامِيا
و كلما إقتربتُ من الحياةُ تباعدتْ
تقسو علينا بالطعنِ و هي البلائيا
فتمضي بالموحشاتِ و كأنها حجرٌ
فلا تحملُ رحمةٌ من صدرِ سمائيا
أأحملُ نعشي بيوم الردى لثرى
أم أسقطُ بالأحزانِ من النكباتِ مُدانيا
مالي ألومّ بحظيَ و الأقدارُ قافرةٌ
لا تشعرُ بحالي و إن أهلكتني مساعيا
قسمتي أن أكونَ بغربةُ مدافني
و الهو بجراحةٍ تبدو و كإنها باقيا
فلا العدلٌ يبصرهُ من بكى مُلوعٌ
و لا السماءُ دراتْ بتلكَ الجروحِ مُداويا
مصطفى محمد كبار
ابن حنيفة
حلب سوريا عفرين ٢٠٢٤/٧/٢٨
التسميات: شعر فصحي
<< الصفحة الرئيسية