الرسالة الغامضة. الأديبة. زهرة العلا
الرسالة الغامضة
بعد أن انتقلت مع عائلتي إلى سكن آخر خارج المدينة التي كنا نسكنها، بسبب أن السكن القديم كان ضمن إرث عائلي ولم يكن خاصًا بعائلتي، استقر كل واحد منا في حياته وسعى لبناء مستقبله.
وبعد مرور سنوات على رحيلنا، طلبت مني أمي الذهاب إلى المدينة القديمة من أجل استخراج بعض الوثائق المدنية. وعند نزولي من الحافلة، قادني الحنين إلى بيتنا القديم. وقفت أمام بابه، الذي علاه الصدأ بفعل الزمن، ثم أدخلت يدي في حقيبتي وأخرجت المفتاح. ما إن فتحته حتى شعرت بعودة الماضي، كأنني عدت طفلة أدخل هذا الباب كمقيمة، لا كزائرة.
جلت في المنزل قليلًا، ثم توجهت نحو صندوق البريد كما كنت أفعل في الماضي. ضحكت بسخرية وقلت في نفسي:
"رسائل؟ لقد انقرضت مع هذا التطور!"
لكن المفاجأة كانت أنني وجدت رسالة ورقية، صفراء من كثرة مرور الزمن عليها. حاولت فتح الصندوق، لكنه كان مقفلًا، ولم أكن أملك المفتاح. حاولت بكل الطرق فتحه، لكني عجزت. وكلما ازداد يأسي من فتحه، زاد إصراري على معرفة ما تحمله هذه الرسالة الغامضة.
بعد عدة محاولات، قررت كسر القفل، وبالفعل نجحت في ذلك. تناولت الرسالة، وتأملتها قليلًا دون أن أقرأ ما كُتب على ظهرها. فقد كنت نسيت كيف تفتح الرسائل الورقية!
فتحتها بحذر، وأخرجت الورقة المطوية داخلها. بدأت أقرأ ما جاء فيها: كلمات حب واشتياق لشخص مجهول، أو ربما معلوم، لكنه يسكن في الجزء الآخر من العالم الذي أعيشه. شعرت بقشعريرة تسري في جسدي، ثم ابتسمت واغرورقت عيناي بالدموع.
وأخيرًا، لفت انتباهي ما كُتب على ظهرها:
"رسالة بدون عنوان."
في تلك اللحظة، تغيرت الأجواء من حولي، وعاد المكان إلى الحياة. سمعت أصواتًا مألوفة، ورأيت فتاة مراهقة تحمل الرسالة ذاتها، تحتضنها كأنها كنز تخشى أن تفقده. كانت تخرج من الباب بحذر، ثم تحول المكان فجأة إلى مكتب البريد، حيث وضعت الفتاة الرسالة في الصندوق وهي تنظر إلى السماء بأمل أن تصل إلى مقصدها وإلى العنوان الذي أُرسلت إليه.
عدت إلى بيتي الجديد، وأنا أحمل في حقيبتي رسالتي التي كنت قد أرسلتها في الماضي إلى شخص مجهول. حينها، صور لي عقلي الطفولي أن مكتب البريد يعرف عنوانه، لكنه خيب أملي وكتب عليها بالخط الأحمر العريض:
"رسالة بدون عنوان."
زهرة العلا/الجزائر
التسميات: قصة قصيرة
<< الصفحة الرئيسية