حجة غير متوقعة..بقلم. أحمد علي سليمان
حجة غير متوقعة!
بقلم أحمد علي سليمان عبد الرحيم
(استطاع ذلك الطبيب أن يدّخر المال الذي يؤدي به حَجَّته الأولى ، ذلك الأمل المنشود منذ سنين عدداً! فإذا به يُبتلى بطفل مريض فقير يحتاج علاجه ذلك المال الذي نذره لحجته. فضحّى بماله ذلك الطبيب الذي يعمل في عيادة خاصة ، وذلك بعد أن رفض المدير العام بالمستشفى علاج الطفل مجاناً. وشكرت أم الطفل الفقير هذا الجميل من الطبيب. واستقبلت المستشفى الخاصة الطفل ليستأنف العلاج. ودعا الله تعالى ذلك المتصدق بأن ييسر له الحج ، ولو من قابل إن شاء الله. واستجاب الله تعالى حيث قرر مدير المستشفى الحج مصطحباً معه طبيبه الخاص المرافق الذي اعتذر ليحل محله الطبيب المتصدق! فيا لها من مفاجأةٍ سارة! ويفرحُ المدير بموافقة الطبيب المتصدق هذا ، ويُصدر قراراً بعلاج الفقراء مجاناً على حساب المستشفى ، ويرد المال للطبيب المرافق المتصدق ، بل ويقرر المدير أن كل فقير يقدم أوراقه الثبوتية التي تستدل بها المستشفى على حالته وعجزه عن الإنفاق ، يعالج في المستشفى مجاناً ابتغاء وجه الله تعالى! فكانت حَجّة الطبيب المتصدق مكتوبة ومجانية وإن شاء الله مقبولة! وهذا أحد المسافرين رأى شاباً غضاً ممددًا على سيارته غائبًا عن شعوره لا يرى عليه أثرًا لحادث أو سببًا مباشرًا لهذه الحال ، لم يتح لنفسه كثيرًا من التساؤلات ، بل قطعها بإغاثة هذا المسكين ، فما أن أمسكه بيده ، حتى أحس بحركة بطيئة في يدي هذا الشاب ، يشير بيديه إلى أنفه وفمه ، مبينًا له بذلك أنه لم يعد له نفس يعيش به ، فرح صانع المعروف بحياته ، وأحس بأن الله أرسله إليه لينقذه على يده تحرك بسرعة لأخذه إلى طبيب حاذق في شأن أمراض الصدر بمدينة قريبة ، فما إن وصَل إلى هناك قام الطبيب بالأمانة الملقاة على عاتقه خير قيام ، وصانع المعروف واقف على رأسه يرقب ذلك النفس المتقطع والصدر المتحشرج نسي سفره الذي خرج من أجله وترك الدنيا من ورائه ، وأقبل على إنقاذ روح كادت أن تفارق صاحبها ، ليعيدها بأمرِ الله إليه ، لا لمعرفة سابقة ، ولا لمصلحة دنيوية لاحقة ، إنما حب صنيع المعروف الذي أكرمه الله به ، وما زال كذلك يرقب الشاب بعينيه ، ويحيطه برعايته ، ويلهج لسانه بالدعاء له ، أن يمُن الله عليه بالشفاء ، ويعيده إلى الحياة ، وشيئًا فشيئًا حتى سمع الأنفاس تتراجع ، والأزمة تِخف ، والأطراف تتحرك ، وبدأ نور العينين يخفق ببصيص من الحياة ، وصانع المعروف يحدق في وجه الطبيب يبحث عن الأمل في وجهه ، يتلمس ابتسامة النجاة على ثغره وبدأت الحياة تدب في أوصال ذلك الشاب ، وبدأت أسارير وجه الطبيب تتهلل بشرًا ، وتبشر بالحياة من جديد ، حينها تعرّف صانع المعروف على هاتف منزل أهل المصاب من المصاب نفسه ، واختفى من المستشفى حتى لا يتعرف عليه أحد ، وذهب ليتم معروفه بنجاح وحكمة ليتصل على أهل المصاب فأخبرهم خبر ابنهم ومكانه. ولكن: من أنت أيها المتحدث؟ من أنت وفقك الله؟ من أنت يا صانع المعروف ؟! أخبرنا باسمك ، دعنا نحدّث الناس بشهامتك ، دعنا نصف للناس معروفك ، دعنا نردُّ لك شيئًا من جميلك ، وأي جميل يمكن أن يُرد لمثلك وقد كنت سببًا في رد الحياة إلى ابننا بإذن ربه سبحانه ، أما لنا نصيب من إكرامك ، والإحسان إليك؟ فاعل خير. فقط. كلمتان أجاب بهما صانع المعروف محتسبًا أجره على الله الرحمن الرحيم ، ألا بوركت يا صاحب الخير كفاك ، وسددت خطاك ، وحفظك الله من كل سوء ورعاك ، وبارك الله لك في صحتك ، وحياتك ، وذريتك ، وجعل الجنة مأوانا ومأواك. ينبغي على المسلم ألا يتردد أن يقضي حاجة لأخيه ، ولو على حساب وقته أو جهده! إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ). رواه البخاري. ويقول كذلك: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء). رواه الطبراني وهو حديث حسن. ويقول كذلك: (وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ). متفق عليه!)
التسميات: قصة قصيرة
<< الصفحة الرئيسية